سورة الأنفال - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنفال)


        


قوله جلّ ذكره: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ}.
الأنفال هاهنا ما آل إلى المسلمين من أموال المشركين، وكان سؤالهم عن حكمها، فقال الله تعالى: قُلْ لهم إنها للهِ مِلْكاً، ولرسوله- عليه السلام- الحُكْمُ فيها بما يقضى به أمراً وشرعاً.
قوله جلّ ذكره: {فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}.
أي أجيبوا لأمر الله، ولا تطيعوا دَوَاعِيَ مناكم والحكمَ بمقتضى أحوالحم، وابتغوا إيثارَ رضاء الحقِّ على مراد النَّفْس، وأصلحوا ذات بَيْنِكم، وذلك بالانسلاخ عن شُحِّ النَّفْس، وإيثار حقِّ الغير على مَالَكُم من النصيب والحظِّ، وتنقية القلوب عن خفايا الحَسَد والحقد.
قوله جلّ ذكره: {وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ}.
أي في الإجابة إلى ما يأتيكم من الإرشاد.
قوله جلّ ذكره: {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.
أي سبيلُ المؤمنِ ألا يخالِفَ هذه الجملة.


الوَجَل شِدَّة الخوف، ومعناه هاهنا أَن يُخْرِجَهم الوَجَلُ عن أوطان الغفلة، ويزعجهم عن مساكن الغيبة. فإذا انفصلوا عن أوْدية التفرقة وفاؤوا إلى مَشَاهِدِ الذكر نالوا السكون إلى الله- عز وجل؛ فيزيدُهم ما يُتْلَى عليهم من آياته تصديقاً على تصديق، وتحقيقاً على تحقيق. فإذا طالعوا جلال قَدْرِهِ، وأيقنوا قصورَهم عن إدراكه، توكلوا عليه في إمدادهم بالرعاية في نهايتهم، كما استخلصهم بالعناية في بدايتهم.
ويقال سُنَّة الحقِّ- سبحانه مع أهل العرفان أن يُرَدِّدَهم بين كَشْفِ جلالٍ ولُطْف جمال، فإذا كاشفهم بجلاله وَجِلَتْ قلوبُهم، وإذا لاطفهم بجماله سَكَنَتْ قلوبهم، قال الله تعالى: {وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ} [الرعد: 28]. ويقال وجلت قلوبهم بخوف فراقه، ثم تطمئن وتسكن أسرارهم بروْح وصاله. وذكر الفراق يُفْنيهم وذكر الوصال يُصْحيهم ويُحْييهم.
ويقال الطالبون في نَوْحِ رهبتهم، والواصلون في روْح قربتهم، والموحِّدون في محو غيبتهم؛ استولت عليهم الحقائق فلا لهم تطلع لوقتٍ مستأنف فيستفزهم خوف أو يجرفهم طمع، ولا لهم إحساس فَتَمْلِكُهم لذة؛ إذ لمَّا اصْطُلِمُوا ببوادهِ ما مَلَكَهُمْ فَهُمْ عنهم مَحْوٌ، والغالبُ عليهم سواهم.


لا يرضَوْن في أعمالهم بإخلال، ولا يتصفون بجمْعِ مال من غير حلال، ولا يُعَرِّجون في أوطان التقصير بحال، أولئك الذين صفتهم ألا يكون للشريعة عليهم نكير، ولا لهم عن أحكام الحقيقة مقيل.
{هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًّا} أي حققوا حقاً وصدقوا صدقاً. ويقال حق لهم ذلك حقاً. قوله: {لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ} على حسب ما أَهَّلَهُمْ له من الرُّتَبِ؛ فَبِسَابقِ قِسْمَتِه لهم استوجبوها، ثم بصادقِ خِدْمَتِهِم- حين وفَّقَهم لها- بلغوها.
ولهم مغفرةٌ في المآل، والسَّتْرُ في الحال لأكابرهم، فالمغفرة الستر، والحق سبحانه يستر مثالِبَ العاصين ولا يفضحهم لئلا يحجبوا عن مأمول أفضالهم، ويستر مناقِبَ العارفين عليهم لئلا يُعْجَبُوا بأعمالهم وأحوالهم، وفَرْقٌ بين سَتْرٍ وَسَتْرٍ، وشَتَّان ما هما!
وأَمَّا الرزق الكريم فيحتمل أنه الذي يعطيه من حيث لا يُحْتَسَبُ، ويحتمل أنه الذي لا يَنْقُصُ بإجرامهم، ويحتمل أنه ما لا يشغلهم بوجوده عن شهود الرزاق، ويحتمل أنه رزق الأسرار بما يكون استقلالها به من المكاشفات.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8